فصل: تفسير الآيات رقم (68 - 70)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏68 - 70‏]‏

‏{‏قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏

يقول تعالى منكرًا على من ادعى أن له ولدًا‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ‏}‏ أي‏:‏ تقدس عن ذلك، هو الغني عن كل ما سواه، وكل شيء فقير إليه، ‏{‏لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ‏}‏ أي‏:‏ فكيف يكون له ولد مما خلق، وكل شيء مملوك له، عبد له‏؟‏‏!‏ ‏{‏إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا‏}‏ أي‏:‏ ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان‏!‏ ‏{‏أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ‏}‏ إنكار ووعيد أكيد، وتهديد شديد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 88 -95‏]‏‏.‏ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين، ممن زعم أنه له ولدا، بأنهم لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة، فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى لهم متعهم قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ، كما قال ها هنا‏:‏ ‏{‏مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا‏}‏ أي‏:‏ مدة قريبة، ‏{‏ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يوم القيامة، ‏{‏ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ‏}‏ أي‏:‏ الموجع المؤلم ‏{‏بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ‏}‏ أي‏:‏ بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله، فيما ادعوه من الإفك والزور‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏71 - 73‏]‏

‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏

يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ ‏{‏وَاتْلُ عَلَيْهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أخبرهم واقصص عليهم، أي‏:‏ على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك ‏{‏نَبَأَ نُوحٍ‏}‏ أي‏:‏ خبره مع قومه الذين كذبوه، كيف أهلكهم الله ودَمّرهم بالغرق أجمعين عن آخرهم، ليحذر هؤلاء أن يصيبهم من الهلاك والدمار ما أصاب أولئك‏.‏ ‏{‏إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ عَظُم عليكم، ‏{‏مَقَامِي‏}‏ أي فيكم بين أظهركم، ‏{‏وَتَذْكِيرِي‏}‏ إياكم ‏{‏بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ بحججه وبراهينه، ‏{‏فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ‏}‏ أي‏:‏ فإني لا أبالي ولا أكف عنكم سواء عظم عليكم أو لا‏!‏ ‏{‏فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله، من صَنَم ووثن، ‏{‏ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً‏}‏ أي‏:‏ ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا، بل افصلوا حالكم معي، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون، فاقضوا إلي ولا تنظرون، أي‏:‏ ولا تؤخروني ساعة واحدة، أي‏:‏ مهما قدرتم فافعلوا، فإني لا أباليكم ولا أخاف منكم، لأنكم لستم على شيء، كما قال هود لقومه‏:‏ ‏{‏إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 54 -56‏]‏‏.‏

‏{‏فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ كذبتم وأدبرتم عن الطاعة، ‏{‏فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ‏}‏ أي‏:‏ لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا، ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ وأنا ممتثل ما أمرت به من الإسلام لله عز وجل، والإسلام هو دين ‏[‏جميع‏]‏ الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 48‏]‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ سبيلا وسنة‏.‏ فهذا نوح يقول‏:‏ ‏{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 91‏]‏، وقال تعالى عن إبراهيم الخليل‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 131، 132‏]‏، وقال يوسف‏:‏ ‏{‏رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 101‏]‏‏.‏ وَقَالَ مُوسَى ‏{‏يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84‏]‏‏.‏ وقالت السحرة‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 126‏]‏‏.‏ وقالت بلْقيس‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 44‏]‏‏.‏ وقال ‏[‏الله‏]‏ تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 44‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 111‏]‏ وقال خاتم الرسل وسيد البشر‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 162، 163‏]‏ أي‏:‏ من هذه الأمة؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه‏:‏ ‏"‏نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ديننا واحد‏"‏ أي‏:‏ وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن تنوعت شرائعنا، وذلك معنى قوله‏:‏ ‏"‏أولاد علات‏"‏، وهم‏:‏ الإخوة من أمهات شتى والأب واحد‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ‏}‏ أي‏:‏ على دينه ‏{‏فِي الْفُلْكِ‏}‏ وهي‏:‏ السفينة، ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ‏}‏ أي‏:‏ في الأرض، ‏{‏وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ‏}‏ أي‏:‏ يا محمد كيف أنجينا المؤمنين، وأهلكنا المكذبين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى قومهم، فجاءوهم بالبينات، أي‏:‏ بالحجج والأدلة والبراهين على صدق ما جاءوهم به، ‏{‏فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ فما كانت الأمم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم، بسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 110‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ أي‏:‏ كما طبع الله على قلوب هؤلاء، فما آمنوا بسبب تكذيبهم المتقدم، هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم، ويختم على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم‏.‏

والمراد‏:‏ أن الله تعالى أهلك الأمم المكذبة للرسل، وأنجى من آمن بهم، وذلك من بعد نوح، عليه السلام، فإن الناس كانوا من قبله من زمان آدم عليه السلام على الإسلام، إلى أن أحدث الناس عبادة الأصنام، فبعث الله إليهم نوحا، عليه السلام؛ ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة‏:‏ أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 17‏]‏، وفي هذا إنذار عظيم لمشركي العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم الأنبياء والمرسلين، فإنه إذا كان قد أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العقاب والنَّكَال، فماذا ظن هؤلاء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك‏؟‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏75 - 78‏]‏

‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ بَعَثْنَا‏}‏ من بعد تلك الرسل ‏{‏مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ‏}‏ أي‏:‏ قومه‏.‏ ‏{‏بِآيَاتِنَا‏}‏ أي‏:‏ حجَجنا وبراهيننا، ‏{‏فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له، ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏ كأنهم -قبَّحهم الله -أقسموا على ذلك، وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 14‏]‏‏.‏ ‏{‏قَاَلَ‏}‏ لهم ‏{‏مُوسَى‏}‏ منكرا عليهم‏:‏ ‏{‏أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا‏}‏ أي‏:‏ تثنينا ‏{‏عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا‏}‏ أي‏:‏ الدّين الذي كانوا عليه، ‏{‏وَتَكُونَ لَكُمَا‏}‏ أي‏:‏ لك ولهارون ‏{‏الْكِبْرِيَاء‏}‏ أي‏:‏ العظمة والرياسة ‏{‏فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

وكثيرًا ما يذكر الله تعالى قصة موسى، عليه السلام، مع فرعون في كتابه العزيز؛ لأنها من أعجب القصص، فإن فرعون حَذر من موسى كل الحذر، فسخره القدر أن رَبَّى هذا الذي يُحذَّر

منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد، ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم، ورزقه النبوة والرسالة والتكليم، وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه، هذا ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان، فجاءه برسالة الله، وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام، فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية، والنفس الخبيثة الأبية، وقوى رأسه وتولّى بركنه، وادعى ما ليس له، وتجهرم على الله، وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل، والله تعالى يحفظ رسوله موسى وأخاه هارون، ويحوطهما، بعنايته، ويحرسهما بعينه التي لا تنام، ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يدي موسى شيئا بعد شيء، ومرة بعد مرة، مما يبهر العقول ويدهش الألباب، مما لا يقوم له شيء، ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله، وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر من أختها، وصمم فرعون وَمَلَؤه -قبحهم الله -على التكذيب بذلك كله، والجحد والعناد والمكابرة، حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يُرَد، وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين، ‏{‏فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 45‏]‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏79 - 82‏]‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ‏}‏

ذكر تعالى قصة السحرة مع موسى، عليه السلام، في سورة الأعراف، وقد تقدم الكلام عليها هناك‏.‏ وفي هذه السورة، وفي سورة طه، وفي الشعراء؛ وذلك أن فرعون -لعنه الله -أراد أن يَتَهَرَّج على الناس، ويعارض ما جاء به موسى، عليه السلام، من الحق المبين، بزخارف السحرة والمشعبذين، فانعكَس عليه النظام، ولم يحصل له ذلك المرام، وظهرت البراهين الإلهية في ذلك المحفل العام، و‏{‏فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 46 -48‏]‏ فظن فرعون أن يستنصر بالسحَّار، على رسول عالم الأسرار، فخاب وخسر الجنة، واستوجب النار‏.‏

‏{‏وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ‏}‏؛ وإنما قال لهم ذلك لأنهم اصطفوا -وقد وعدوا من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل -‏{‏قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 65، 66‏]‏، فأراد موسى أن تكون البَدَاءة منهم، ليرى الناس ما صنعوا، ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ باطلهم؛ ولهذا لما ‏{‏أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 116‏]‏، ‏{‏فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 67، 69‏]‏، فعند ذلك قال موسى لما ألقوا‏:‏ ‏{‏مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ‏}‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، حدثنا عبد الرحمن -يعني الدَّشْتَكِيّ -أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن لَيْث -وهو ابن أبي سليم -قال‏:‏ بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور‏:‏ الآية التي من سورة يونس‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ‏}‏ والآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 118 -122‏]‏، وقوله ‏{‏إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 69‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ‏}‏

يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى، عليه السلام، مع ما جاء به من الآيات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات، إلا قليل من قوم فرعون، من الذرية -وهم الشباب -على وجل وخوف منه ومن مَلَئه، أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر؛ لأن فرعون كان جبارا عنيدا مسرفا في التمرد والعتوّ، وكانت له سَطْوة ومَهابة، تخاف رعيته منه خوفا شديدا‏.‏

قال العوفي‏:‏ عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ‏}‏ قال‏:‏ فإن الذرية التي آمنت لموسى، من أناس غير بني إسرائيل، من قوم فرعون يسير، منهم‏:‏ امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه‏.‏

وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ‏}‏ يقول‏:‏ بني إسرائيل‏.‏ الذرية - وعن ابن عباس، والضحاك، وقتادة‏(‏الذرية‏)‏‏}‏‏:‏ القليل‏.‏

وقال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ‏}‏ يقول‏:‏ بني إسرائيل‏.‏ قال‏:‏ هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى، من طول الزمان، ومات آباؤهم‏.‏

واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية‏:‏ أنها من بني إسرائيل لا من قوم فرعون، لعود الضمير على أقرب المذكورين‏.‏

وفي هذا نظر؛ لأنه أراد بالذرية الأحداث والشباب وأنهم من بني إسرائيل، فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى، عليه السلام، واستبشروا به، وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة، وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه؛ ولهذا لما بلغ هذا فرعون حَذَر كل الحذر فلم يُجْد عنه شيئا‏.‏ ولما جاء موسى آذاهم فرعون أشد الأذى، و‏{‏قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 129‏]‏‏.‏ وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى، وهم بنو إسرائيل‏؟‏‏.‏

‏{‏عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ وأشراف قومهم أن يفتنهم، ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يَفتِنَ عن الإيمان سوى قارون، فإنه كان من قوم موسى، فبغى عليهم؛ لكنه كان طاويا إلى فرعون، متصلا به، متعلقا بحباله ومن قال‏:‏ إن الضمير في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَلَئِهِمْ‏}‏ عائد إلى فرعون، وعظم الملك من أجل اتباعه أو بحذف ‏"‏آل‏"‏ فرعون، وإقامة المضاف إليه مقامه -فقد أبعد، وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن بعض النحاة‏.‏ ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إلا مؤمن قوله تعالى‏:‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏84 - 86‏]‏

‏{‏وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏

يقول تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ فإن الله كاف من توكل عليه، ‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 36‏]‏، ‏{‏وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وكثيرا ما يقرن الله بين العبادة والتوكل، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 123‏]‏، ‏{‏قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 29‏]‏، ‏{‏رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 9‏]‏، وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم مرات متعددة‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك، فقالوا‏:‏ ‏{‏عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ لا تظفرهم بنا، وتسلطهم علينا، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل، فيفتنوا بذلك‏.‏ هكذا روي عن أبي مِجْلَز، وأبي الضُّحى‏.‏

وقال ابن أبي نَجِيح وغيره واحد، عن مجاهد‏:‏ لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقول قوم فرعون‏:‏ لو كانوا على حق ما عذبوا، ولا سُلِّطنا عليهم، فيفتنوا بنا‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ أنبأنا ابن عُيَيْنَةَ، عن ابن نَجِيح، عن مجاهد‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏أي‏]‏ لا تسلطهم علينا، فيفتنونا‏.‏

‏{‏وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ‏}‏ أي‏:‏ خلصنا برحمة منك وإحسان، ‏{‏مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين كفروا الحق وستروه، ونحن قد آمنا بك وتوكلنا علي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏

يذكر تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه، وكيفية خلاصهم منهم وذلك أن الله تعالى أمر موسى وأخاه هارون، عليهما السلام ‏{‏أَنْ تَبَوَّءَا‏}‏ أي‏:‏ يتخذا لقومهما بمصر بيوتا‏.‏

واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ فقال الثوري وغيره، عن خُصَيْف، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ قال‏:‏ أمرُوا أن يتخذوها مساجد‏.‏

وقال الثوري أيضا، عن ابن منصور، عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ قال‏:‏ كانوا خائفين، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم‏.‏

وكذا قال مجاهد، وأبو مالك، والربيع بن أنس، والضحاك، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأبوه زيد بن أسلم‏:‏ وكأن هذا -والله أعلم -لما اشتد بهم البلاء من قبَل فرعون وقومه، وضيقوا عليهم، أمروا بكثرة الصلاة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 156‏]‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى‏.‏ أخرجه أبو داود‏.‏ ولهذا قال تعالى في هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ بالثواب والنصر القريب‏.‏

وقال العوفي، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية قال‏:‏ قالت بنو إسرائيل لموسى، عليه السلام‏:‏ لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة، فأذن الله تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم، وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ قال‏:‏ لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة، أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة، يصلون فيها سرًا‏.‏ وكذا قال قتادة، والضحاك‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً‏}‏ أي‏:‏ يقابل بعضها بعضا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏88 - 89‏]‏

‏{‏وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏

هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى، عليه السلام، على فرعون وَمَلَئه، لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين، ظلما وعلوا وتكبرًا وعتوا، قال‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً‏}‏ أي‏:‏ من أثاث الدنيا ومتاعها، ‏{‏وأموالا‏}‏ أي‏:‏ جزيلة كثيرة، ‏{‏فِي‏}‏ هذه ‏{‏الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ‏}‏ -بفتح الياء -أي‏:‏ أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ‏}‏

وقرأ آخرون‏:‏ ‏{‏لِيُضِلُّوا‏}‏ بضم الياء، أي‏:‏ ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك، ليظن من أغويته أنك إنما أعطيت هؤلاء هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم‏.‏

‏{‏رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ‏}‏ قال ابن عباس، ومجاهد‏:‏ أي‏:‏ أهلكها‏.‏ وقال الضحاك، وأبو العالية، والربيع بن أنس‏:‏ جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما كانت‏.‏

وقال قتادة‏:‏ بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة‏.‏ وقال محمد بن كعب القُرَظي‏:‏ اجعل سُكَّرهم حجارة‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر، عن أبي مَعْشَر، حدثني محمد بن قيس‏:‏ أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز‏:‏ ‏{‏وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ‏}‏ إلى آخرها ‏[‏فقال له‏:‏ عمر يا أبا حمزة أي شيء الطمس‏؟‏ قال‏:‏ عادت أموالهم كلها حجارة‏]‏ فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له‏:‏ ائتني بكيس‏.‏ ‏[‏فجاءه بكيس‏]‏ فإذا فيه حمص وبيض، قد قطع حول حجارة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي اطبع عليها، ‏{‏فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ‏}‏ وهذه الدعوة كانت من موسى، عليه السلام، غضبًا لله ولدينه على فرعون وملئه، الذين تبين له أنه لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح، عليه السلام، فقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 26، 27‏]‏؛ ولهذا استجاب الله تعالى لموسى، عليه السلام، فيهم هذه الدعوة، التي أمَّنَ عليها أخوه هارون، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا‏}‏‏.‏ قال أبو العالية، وأبو صالح، وعكرمة، ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس‏:‏ دعا موسى وأمَّنَ هارون، أي‏:‏ قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير آل فرعون‏.‏

وقد يحتج بهذه الآية من يقول‏:‏ ‏"‏إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة يُنزل منزلة قراءتها؛ لأن موسى دعا وهارون أمن‏"‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا ‏[‏وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏]‏‏}‏ أي‏:‏ كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري‏.‏

قال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏فَاسْتَقِيمَا‏}‏ فامضيا لأمري، وهي الاستقامة‏.‏ قال ابن جريج‏:‏ يقولون‏:‏ إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة‏.‏

وقال محمد بن علي بن الحسين‏:‏ أربعين يوما‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏90 - 92‏]‏

‏{‏وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ‏}‏

يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده؛ فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر صحبة موسى، عليه السلام، وهم -فيما قيل -ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية، وقد كانوا استعاروا من القبط حُلِيّا كثيرا، فخرجوا به معهم، فاشتد حَنَق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه، فركب وراءهم في أبهة عظيمة، وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم، ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته، فلحقوهم وقت شروق الشمس، ‏{‏فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 61‏]‏ وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر، وأدركهم فرعون، ولم يبق إلا أن يتقاتل الجمعان، وألح أصحاب موسى، عليه السلام، عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه‏؟‏ فيقول‏:‏ إني أمرت أن أسلك هاهنا، ‏{‏كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 62‏]‏فعندما ضاق الأمر اتسع، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر، ‏{‏فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 63‏]‏ أي‏:‏ كالجبل العظيم، وصار اثني عشر طريقًا، لكل سبط واحد‏.‏ وأمر الله الريح فنَشَّفت أرضه، ‏{‏فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 77‏]‏ وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك، ليرى كل قوم الآخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا‏.‏ وجازت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية الألوان، فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم بالرجوع، وهيهات ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة‏.‏ وجاء جبريل، عليه السلام، على فرس -وديق حائل -فمر إلى جانب حصان فرعون فحمحم إليها وتقدم جبريل فاقتحم البحر ودخله، فاقْتحم الحصان وراءه، ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئا، فتجلد لأمرائه، وقال لهم‏:‏ ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم وميكائيل في ساقتهم، لا يترك أحدا منهم، إلا ألحقه بهم‏.‏ فلما استوسقوا فيه وتكاملوا، وهم أولهم بالخروج منه، أمر اللهُ القدير البحرَ أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلك‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 84، 85‏]‏‏.‏

وهكذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال‏:‏ ‏{‏آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ أهذا الوقت تقول، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه‏؟‏ ‏{‏وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ أي‏:‏ في الأرض الذين أضلوا الناس، ‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 41‏]‏

وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ذاك من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهْران، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لما قال فرعون‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏ قال‏:‏ قال لي جبريل‏:‏ ‏[‏يا محمد‏]‏ لو رأيتني وقد أخذت ‏[‏حالا‏]‏ من حال البحر، فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة‏"‏ ورواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم، من حديث حماد بن سلمة، به وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قال لي جبريل‏:‏ لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر، فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة‏"‏‏.‏ وقد رواه أبو عيسى الترمذي أيضا، وابن جرير أيضا، من غير وجه، عن شعبة، به وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب صحيح‏.‏

ووقع في رواية عند ابن جرير، عن محمد بن المثنى، عن غُنْدَر، عن شعبة، عن عطاء وعَدِيّ، عن سعيد، عن ابن عباس، رفعه أحدهما -وكأن الآخر لم يرفعه، فالله أعلم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو سعيد الأشَجّ، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن عبد الله بن يَعْلَى الثقفي، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال‏:‏ لما أغرق الله فرعون، أشار بأصبعه ورفع صوته‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏ قال‏:‏ فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه، فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه‏.‏

وكذا رواه ابن جرير، عن سفيان بن وَكِيع، عن أبي خالد، به موقوفا‏.‏ وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا، فقال ابن جرير‏:‏ حدثنا ابن حميد، حدثنا حَكَّام، عن عَنْبَسة -هو ابن سعيد -عن كثير بن زاذان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قال لي جبريل‏:‏ يا محمد، لو رأيتني وأنا أغطّه وأدس من الحال في فيه، مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له‏"‏ يعني‏:‏ فرعون

كثير بن زاذان هذا قال ابن مَعِين‏:‏ لا أعرفه، وقال أبو زُرْعَة وأبو حاتم‏:‏ مجهول، وباقي رجاله ثقات‏.‏

وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف‏:‏ قتادة، وإبراهيم التيمي، وميمون بن مِهْران‏.‏ ونقل عن الضحاك بن قيس‏:‏ أنه خطب بهذا للناس، فالله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏ قال ابن عباس وغيره من السلف‏:‏ إن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده بلا روح، وعليه درعه المعروفة ‏[‏به‏]‏ على نجوة من الأرض وهو المكان المرتفع، ليتحققوا موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ‏}‏ أي‏:‏ نرفعك على نَشز من الأرض، ‏{‏بِبَدَنِك‏}‏ قال مجاهد‏:‏ بجسدك‏.‏ وقال الحسن‏:‏ بجسم لا روح فيه‏.‏ وقال عبد الله بن شداد‏:‏ سويا صحيحا، أي‏:‏ لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه‏.‏ وقال أبو صخر‏:‏ بدرعك وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها، كما تقدم، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏ أي‏:‏ لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك، وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء؛ ولهذا قرأ بعض السلف‏:‏ ‏"‏لِتَكُونَ لِمَنْ خَلَقَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ‏"‏ أي‏:‏ لا يتعظون بها، ولا يعتبرون‏.‏ وقد كان ‏[‏إهلاك فرعون وملئه‏]‏ يوم عاشوراء، كما قال البخاري‏:‏

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غُنْدَر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال‏:‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينَة، واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا‏:‏ هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه‏:‏ ‏"‏أنتم أحق بموسى منهم، فصوموه‏"‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏

يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية فـ ‏{‏مُبَوَّأَ صِدْقٍ‏}‏ قيل‏:‏ هو بلاد مصر والشام، مما يلي بيت المقدس ونواحيه، فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 137‏]‏ وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 57-59‏]‏ ولكن استمروا مع موسى، عليه السلام، طالبين إلى بلاد بيت المقدس ‏[‏وهي بلاد الخليل عليه السلام فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس‏]‏ وكان فيه قوم من العمالقة، ‏[‏فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة‏]‏ فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون، ثم، موسى، عليهما السلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون، ففتح الله عليهم بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر، ثم عادت إليهم، ثم أخذها ملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم مدة طويلة، وبعث الله عيسى ابن مريم، عليه السلام، في تلك المدة، فاستعانت اليهود -قبحهم الله -على معاداة عيسى، عليه السلام، بملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه الله إليه، وشُبّه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره فأخذوه فصلبوه، واعتقدوا أنه هو، ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 157، 158‏]‏ ثم بعد المسيح، عليه السلام بنحو ‏[‏من‏]‏ ثلثمائة سنة، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان -في دين النصرانية، وكان فيلسوفا قبل ذلك‏.‏ فدخل في دين النصارى قيل‏:‏ تقية، وقيل‏:‏ حيلة ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة وبدعًا أحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيَع الكبار والصغار، والصوامع والهياكل، والمعابد، والقلايات‏.‏ وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف، ووضع وكذب، ومخالفة لدين المسيح‏.‏ ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلا القليل من الرهبان، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامه والقفار، واستحوذت يدُ النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية، والقُمَامة، وبيت لحم، وكنائس ‏[‏بلاد‏]‏ بيت المقدس، ومدن حَوْران كبُصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة، وعبدوا الصليب من حينئذ، وصلوا إلى الشرق، وصوروا الكنائس، وأحلوا لحم الخنزير، وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة الحقيرة، التي يسمونها الكبيرة، وصنفوا له القوانين، وبسط هذا يطول‏.‏

والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة، رضي الله عنهم، وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ‏}‏ أي‏:‏ الحلال، من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا وشرعا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ‏}‏ أي‏:‏ ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم، أي‏:‏ ولم يكن لهم أن يختلفوا، وقد بين الله لهم وأزال عنهم اللبس‏.‏ وقد ورد في الحديث‏:‏ أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار‏.‏ قيل‏:‏ من هم يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ما أنا عليه وأصحابي‏"‏‏.‏

رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ، وهو في السنن والمسانيد ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يفصل بينهم ‏{‏يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏94 - 97‏]‏

‏{‏فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏

قال قتادة بن دِعَامة‏:‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا أشك ولا أسأل‏"‏ وكذا قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وهذا فيه تثبيت للأمة، وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏ 157‏]‏‏.‏ ثم مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم، يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه، ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ‏}‏ أي‏:‏ لا يؤمنون إيمانا ينفعهم، بل حين لا ينفع نفسًا إيمانها؛ ولهذا لما دعا موسى، عليه السلام، على فرعون وملئه قال‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 88‏]‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 111‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ فهلا كانت قرية آمنت بكمالها من الأمم السالفة الذين بعثنا إليهم الرسل، بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إلا كذبه قومه، أو أكثرهم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 30‏]‏، ‏{‏كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏52‏]‏، ‏{‏وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏23‏]‏ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏عرض علي الأنبياء، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس، والنبي معه الرجل والنبي معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد‏"‏ ثم ذكر كثرة أتباع موسى، عليه السلام، ثم ذكر كثرة أمته، صلوات الله وسلامه عليه، كثرة سدت الخافقين الشرقي والغربي‏.‏

والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى، إلا قوم يونس، وهم أهل نِينَوى، وما كان إيمانهم إلا خوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم، بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به، وتضرعوا لديه‏.‏ واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم‏.‏ فعندها رحمهم الله، وكشف عنهم العذاب وأخروا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏

واختلف المفسرون‏:‏ هل كُشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي‏؟‏ أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط‏؟‏ على قولين، أحدهما‏:‏ إنما كان ذلك في الحياة الدنيا، كما هو مقيد في هذه الآية‏.‏ والقول الثاني فيهما لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 147، 148‏]‏ فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي، وهذا هو الظاهر، والله أعلم‏.‏

قال قتادة في تفسير هذه الآية‏:‏ لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتركت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة، ولبسوا المسوح، وفَرّقوا بين كل بهيمة وولدها ثم عَجّوا إلى الله أربعين ليلة‏.‏ فلما عرف الله منهم الصدق من قلوبهم، والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد أن تدلى عليهم -قال قتادة‏:‏ وذكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض الموصل‏.‏

وكذا روي عن ابن مسعود، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف، وكان ابن مسعود يقرؤها‏:‏ ‏"‏فَهَلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ‏"‏‏.‏ وقال أبو عمران، عن أبي الجَلْد قال‏:‏ لما نزل بهم العذاب، جعل يدور على رءوسهم كقطع الليل المظلم، فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا‏:‏ علمنا دعاء ندعوا به، لعل الله يكشف عنا العذاب، فقال‏:‏ قولوا‏:‏ يا حيّ حين لا حيّ، يا محيي الموتى لا إله إلا أنت‏.‏ قال‏:‏ فكشف عنهم العذاب‏.‏

وتمام القصة سيأتي مفصلا في سورة الصافات إن شاء الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏99 - 100‏]‏

‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ‏}‏ -يا محمد -لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به، فآمنوا كلّهم، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 118، 119‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 31‏]‏؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ‏}‏ أي‏:‏ تلزمهم وتلجئهم ‏{‏حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ ليس ذلك عليك ولا إليك، بل ‏[‏إلى‏]‏ الله ‏{‏يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 8‏]‏، ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 272‏]‏، ‏{‏لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 3‏]‏، ‏{‏إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏56‏]‏، ‏{‏فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 40‏]‏، ‏{‏فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ‏}‏ ‏[‏الغاشية‏:‏ 21، 22‏]‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى هو الفعال لما يريد، الهادي من يشاء، المضل لمن يشاء، لعلمه وحكمته وعدله؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ‏}‏ وهو الخبال والضلال، ‏{‏عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ‏}‏ أي‏:‏ حججَ الله وأدلته، وهو العادل في كل ذلك، في هداية من هدى، وإضلال من ضل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏101 - 103‏]‏

‏{‏قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏

يرشدُ تعالى عباده إلى التفكر في آلائه وما خلق في السموات والأرض من الآيات الباهرة لذوي الألباب، مما في السموات من كواكب نيرات، ثوابت وسيارات، والشمس والقمر، والليل والنهار، واختلافهما، وإيلاج أحدهما في الآخر، حتى يطول هذا ويقصر هذا، ثم يقصر هذا ويطول هذا، وارتفاع السماء واتساعها، وحسنها وزينتها، وما أنزل الله منها من مطر فأحيا به الأرض بعد موتها، وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والأزاهير، وصنوف النبات، وما ذرأ فيها من دوابّ مختلفة الأشكال والألوان والمنافع، وما فيها من جبال وسهول وقفار وعمران وخراب‏.‏ وما في البحر من العجائب والأمواج، وهو مع هذا ‏[‏مسخر‏]‏ مذلل للسالكين، يحمل سفنهم، ويجري بها برفق بتسخير القدير له، لا إله إلا هو، ولا رب سواه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ‏}‏ أي‏:‏ وأي شيء تُجدي الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على صدقها، عن قوم لا يؤمنون، كما قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 96، 69‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إلا مثل أيام الله في الذين خلوا من قبلهم من الأمم المكذبة لرسلهم، ‏{‏قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ أي‏:‏ ونهلك المكذبين بالرسل، ‏{‏كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏أي‏]‏ حقا‏:‏ أوجبه تعالى على نفسه الكريمة‏:‏ كقوله ‏{‏كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 12‏]‏ كما جاء في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إن الله كتب كتابا فهو عنده فوق العرش‏:‏ إن رحمتي سبقت غضبي‏"‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏104 - 107‏]‏

‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏

يقول تعالى لرسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه‏:‏ قل‏:‏ يا أيها الناس، إن كنتم في شك من

صحة ما جئتكم من الدين الحنيف، الذي أوحاه الله إلي، فها أنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله، ولكن أعبد الله وحده لا شريك له، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم، ثم إليه مرجعكم؛ فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله حقا، فأنا لا أعبدها فادعوها فلتضرني، فإنها لا تضر ولا تنفع، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له، وأمرت أن أكون من المؤمنين‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ أي‏:‏ أخلص العبادة لله وحده حنيفا، أي‏:‏ منحرفا عن الشرك؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ وهو معطوف على قوله‏:‏ ‏{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ‏}‏ إلى آخرها، بيان لأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده لا يشاركه في ذلك أحد، فهو الذي يستحق العبادة وحده، لا شريك له‏.‏

روى الحافظ ابن عساكر، في ترجمة صفوان بن سليم، من طريق عبد الله بن وهب‏:‏ أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى، عن صفوان بن سليم، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده واسألوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم‏"‏

ثم رواه من طريق الليث، عن عيسى بن موسى، عن صفوان، عن رجل من أشجع، عن أبي هريرة مرفوعا؛ بمثله سواء

وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ أي‏:‏ لمن تاب إليه وتوكل عليه، ولو من أيّ ذنب كان، حتى من الشرك به، فإنه يتوب عليه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏108 - 109‏]‏

‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏

يقول تعالى آمرا لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند

الله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه، ‏[‏ومن ضل عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه ‏]‏

‏{‏وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ‏}‏ أي‏:‏ وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به، وإنما أنا نذير لكم، والهداية على الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ‏}‏ أي‏:‏ تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه واصبر على مخالفة من خالفك من الناس، ‏{‏حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ‏}‏ أي‏:‏ يفتح بينك وبينهم، ‏{‏وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ خير الفاتحين بعدله وحكمته‏.‏

تفسير سورة هود

‏[‏وهي مكية‏]‏‏.‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عِكْرِمة قال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما شَيّبك‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏شيبتني هود، والواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت ‏"‏‏.‏

وقال أبو عيسى الترمذي‏:‏ حدثنا أبو كُرَيْب محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، قد شبت‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏هود وأخواتها‏"‏‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا حماد بن الحسن، حدثنا سعيد بن سلام، حدثنا عمر بن محمد، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏شيبتني هود وأخواتها‏:‏ الواقعة، والحاقة، وإذا الشمس كورت ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏هود وأخواتها ‏"‏‏.‏

وقد روي من حديث ابن مسعود، فقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الكبير‏:‏ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن طارق الرائشي ، حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه؛ أن أبا بكر قال‏:‏ يا رسول الله، ما شيبك‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏هود، والواقعة ‏"‏‏.‏ عمرو بن ثابت متروك، وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود‏.‏ والله أعلم‏.‏